كل ما دار فى الشهور العشرة الماضية وما تبعها من أحداث فى الأسبوع الماضى كشف الوجه الآخر للثورة المصرية التى تحولت من مرحلة الوفاق الوطنى ومحاربة الفساد وتطهير البلاد إلى مرحلة الصراع على السلطة وتقسيم الغنائم وكأن الوطن قد استعاد عافيته ونفض أوجاعه وآلامه ونهض اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا ولم يبق سوى ضبط ايقاع الحياة السياسية.
نعم هذه هى الحقيقة المرة التى أدت بالشعب المصرى لاستئناف ثورته ليس من أجل اختيار رئيس للبلاد ولا مجلس للوزراء ولا حب فى سلطة أو منصب ولكن من أجل حياة كريمة .. حياة يجب ان يتعلم فيها ضابط الشرطة (الكبير قبل الصغير) أن يكون إنسانا له عقل يفكر وقلب يعطف وليس أداة لتلقى الأوامر وتنفيذها وان يدرك انه جزء من المجتمع وليس جلادا له. إن الشعب المصرى الحقيقى وشبابه الطاهر أدرك ان شيئا لم يتغير وان كل المحيطين به لا يعملون من أجله بل من أجل انفسهم بداية من المجلس العسكرى مرورا بمجلس الوزراء (المخلوع) وانتهاء بالقوى السياسية هذا بخلاف ما يتعرض له من مؤامرات تدبرها فلول النظام السابق بين الحين والآخر.
الشعب صبر كثيرا وانتظر طويلا ظنا منه انه أصبح فى ايد أمينة لكنه عرف الحقيقة متأخرا عشرة شهور كاملة وعلم ان المحيطين به لا يصنعون ما يريده بل العكس .. ولا يبذلون جهدا من أجله.. فمشاكل البسطاء وضحايا الثورة لم يقترب منها احد على الاطلاق طيلة ما مضى من شهور .. وانشغل الجميع بالشد والجذب السياسى من تحديد السلطات والصلاحيات والاختصاصات ومن بيده عقدة الديمقراطية إلى ان وصل بنا الحال إلى وضع اقتصادى مأساوى ينذر بإفلاس الدولة وغرق السفينة فى بحر تغشاه أمواج الفقر وفوقه ازمات بعضها فوق بعض ستكون سببا فى مزيد من الضغوط الخارجية التى لم تعد تخفى على أحد.
لقد أخطأ الجميع مهما حاولوا التملص من الأزمة وإلقاء كل جهة باللائمة على الأخرى.. فالمجلس العسكرى اقحم نفسه فى اللعبة السياسية وأعطى ظهره لما هو أهم منها وظن ان ما دار فى يناير الماضى كان مجرد انتفاضة شعبية وليس ثورة بل وظن ايضا انه كان صاحب الفضل الأول والأخير فى نجاحها لأنه انحاز للشعب الأعزل وقد يكون محقا فى ذلك لو مضى فى طريقه وحقق أهداف الثورة وانشغل بتطهير البلاد من الفساد والفاسدين وأعاد الأمن للوطن وأقام اقتصاد يريد أن ينقض .. لكن ما حدث انه نصب نفسه حكما بين القوى السياسية وأراد ان يشاركهم فى الأمر .. كما انه حرك وسيطر على مجلس وزراء كنا نظنه جديرا بتلك المهمة التاريخية ولا أحد يعلم ما إذا كان (شرف ومجلسه) ظالما أم مظلوما؟! .. واخيرا غرق المجلس فى مزيد من الدماء بسكوته على خطايا وزارة الداخلية التى اهتمت بتفريق اعتصام بقوة السلاح وقتلت وجرحت الشباب الأعزل فى وقت تترك فيه البلطجية يعيثون فى الأرض فسادا يقتلون الناس ويذبحون ابناءهم ويسرقون سياراتهم فى الطرق المحيطة بالقاهرة.
أما القوى السياسية التى زعمت انها كانت مصدر اشعاع للثورة فوقفت فى ركن بعيد وضيق وانصب تفكير كل منها فى المصالح الشخصية ومستقبلها السياسى وكيفية تأمين الطريق نحو البرلمان ومن هنا كان التراشق فيما بينها طوال الوقت فى لعبة الصراع على السلطة وكأن كل طرف برىء مما يفعله الآخرون .. فالمحسوبون على التيار الليبرالى واليسارى يتهمون الإسلامين بلا دليل بأنهم يعقدون الصفقات مع المجلس العسكرى لتشويه صورتهم والسحب من رصيدهم لدى الشارع.. والإسلاميون يرون فى القوى الليبرالية واليسارية امتدادا للنظام السابق لأنهم لم يختلفوا كثيرا ويستخدمون فزاعة الإخوان والتخويف من الإسلام السياسى وأظن ان هذا الوضع كان السبب المباشر فى مشاركة بعض الأحزاب السياسية الوهمية فى الدعوة لاستئناف الثورة والتشجيع عليها ليس من أجل مصلحة الشعب كما يدعون ولكن من أجل تعطيل الانتخابات لأنهم يدركون ان الصناديق ستكون سببا فى إبعادهم بعد ان كشف الشعب نياتهم ادرك انها أحزاب انتهازية لم يكن لها أى دور سوى الحصول على الدعم السنوى من الحزب المنحل وهى الآن امتداد لسياساته.
ان هؤلاء جميعا سقطوا ولم ينجح منهم أحد .. والأمل الوحيد الباقى للشعب المصرى هو الانتخابات وصناديق الاقتراع لقطع الطريق على الانتهازيين والمفسدين ووأد فتن كقطع الليل المظلم .. قوموا إلى الانتخابات يرحمكم الله.