حادثة اغتيال الشيخ عماد عفت ـ مدير إدارة الحساب الشرعى وأحد أمناء دار الإفتاء ـ تطرح تساؤلات لا حصر لها، ليس فقط من قتل الشيخ الأزهرى؟ الذى كلف نفسه الذهاب إلى قلب الاشتباكات الدائرة بين المعتصمين وقوات الأمن للإصلاح بين الطرفين، ولكن أيضا لماذا قتل؟ وما ذنب الرجل؟ ومن يتعمد إشعال الأحداث ولو بقتل الأبرياء.
ففى تصريح لها عقب وفاته، قالت زوجة الشيخ الصحفية (نشوى عبدالتواب) إن زوجها ذهب إلى شارع مجلس الوزراء للتحدث مع المعتصمين فى محاولة لاحتواء الموقف كشيخ وعالم دين, إلا أنه وفى أثناء وقوفه بجوار المتظاهرين فوجئ بطلق نارى (لم يستقر فى صدره بل دخل وخرج فى نفس الوقت) من مسدس أحد "المندسين" بين المعتصمين كان يقف إلى جواره.
وذكرت الزوجة ـ نقلا عن شهود عيان كانوا بجوار زوجها ـ أن هناك مندسين وسط الثوار معهم أسلحة نارية، فى دليل صارخ على أن بعض الذين يهاجمون قوات الأمن، ممن يشعلون النار فى منشآت الدولة، ويقتلون الأبرياء، ليسوا من المعتصمين وإنما هم مندسون بهدف الإشعال وتهييج الأوضاع، لا نعلم بالتحديد لمصلحة من يفعلون ذلك.
الشيخ عفت هو صاحب الفتوى الشهيرة بتحريم التصويت لفلول الحزب "الوطنى" المنحل وجميع أعضائه السابقين فى مجلس الشعب، وكان قد استند فى فتواه إلى أن "فلول الوطنى يرغبون فى تدمير مستقبل مصر بنشر الرشاوى والمحسوبيات ثانية"، وقال الشيخ: "إن من يمنحهم صوته يساعدهم على الوصول إلى المنصة التشريعية".
لم يفتِ الرجل بأكثر مما أملى عليه علمه وضميره تجاه الذين أفسدوا حياة المصريين السياسية والاقتصادية والصحية والاقتصادية والإعلامية على مدار ثلاثة عقود، لكن وعلى ما يبدو كان لفتواه نصيب ليس قليلا من بين الأسباب الداعية لقتله. طبعا مع عدم التقليل من دوره كمصلح بين المشتبكين خاصة وقد تكررت هذه الجهود للإصلاح وكنا قد رأيناها من شيوخ الأزهر خلال أحداث شارع محمد محمود، لكنها ما كانت تنجح فى تهدئة الأوضاع والفصل بين المتظاهرين ورجال الأمن حتى يندس مشعلوها من جديد حتى تعود لسابق عهدها فى الاشتعال. لكن يبدو أن عمليات الإشعال كانت تكلف هؤلاء المندسين الكثير فرأوا التخلص من هذا الصوت الذى أدمن إطفاء حرائقهم.
رحيل الشيخ الشاب لا ينبغى أن يمر دون أن نستفيد من تلك الحقائق التى تقدمها حادثة اغتياله، لعلها تفيدنا فى إنقاذ البلاد وإنقاذ أبنائها، فلم يكن مقصودًا وحده ـ رحمه الله ـ بل كان المقصود "وطن" طاهرًا.
عرف الشيخ عماد بمواقف نضالية ضد النظام البائد، ويقول من عرفوه أنه كان "فقيهًا عابدًا ذاكرًا شاكرًا لله خاضعًا لربه وكان نبيلا لا يخشى فى الله لومة لائم وكان خلوقًا جم التواضع حسن السمت ما رآه أحد إلا وأحبه''. "عفت من الثوار وشارك فى أحداث ثورة يناير"، على حد قول مفتى الجمهورية الدكتور على جمعة الذى زار جثمان الفقيد فى المشرحة وقام بتوديعه وقد احتسبت "دار الافتاء" فقيدها عند الله تعالى.
ترك الفقيه والأزهرى الشاب زوجة وأربعة أطفال ورحل مع غيره من أبناء مصر على خلفية الأوضاع المشتعلة فى البلاد، لكن لايزال الجانى طليقًا كغيره من الجناة.